Header Ads

كرونولوجيا اقتصادية



كرونولوجيا اقتصادية


لا يخفى علينا أن دراسة تحليل الاقتصاد السياسي يحظى بأهمية وازنة و كبيرة في وقتنا الحاضر ،و بالخصوص مع تطور الاقتصاد بحد ذاته و تزامنه من العمولة التي دخل في غمارها الإنسان ، بالإضافة إلى القضايا التي تلعبها من فرد إلى آخر و من وسط مجتمعي سواء كان ناميا،في طور النمو أو متقدما.
فالاقتصاد بكونه محاطا بالجوانب الإنسانية من ثمة الاجتماعية و السياسية فأنني ارتأيت أن أقدم لكم هذا المقال المبسط لكي تعم الفائدة و لإعطاء صورة مبسطة لتطورات على مستوى الأفكار التي ظهرت و عالجت تنظيم وتحليل الاقتصاد، بكون هذا الأخير يتميز بالاتساع و التنوع و يصعب أن يشمله مفكر واحد و مؤلف واحد، فمن جهة الطابع الإنساني فانه يختلف من دراسة تاريخية إلى أخرى و من رؤية تطبيقه مغايرة إلى أخرى متوازنة المعالم .
يتبادر في الذهن مرارا و تكرارا تساؤل محوري حول الاقتصاد هل هو علم كباقي العلوم أو المعارف أم انه فقط موجز من إشباع الحاجات المعيشية العادية للفرد ؟
فالفنون التي تعبرعن المعرفة المتصلة بجوانب مختلفة كالأخلاق و الأذواق و الرسم و الأدب،تجدها ترسم وجدانا إبداعيا لدى الشخص.
و أما العلوم فيطغى عليها طابع المنطق المنتظم التي ترسم في معلمها الحاضر و المستقبلي حقائق و ثوابت من أجل فهم شامل للأحداث و تغيراتها و ظروف تدارسها للعلاقات الحتمية .
و هنا أستحضر قولة الاقتصادي سامولسن " الاقتصاد هو أقدم الفنون و أحدث العلوم" .
إن الاقتصاد في بدايته الأولى كان لا يعبر سوى على فطرة إنسانية و لا يأخذ القواعد و القوانين كمقياس بقدر ما كان، كما أشرت مسبقا، يسعى إلى إشباع مادي لا اقل و لا أكثر. فالاقتصاد من أقدم الفنون، و في ما يخص جانب . و أود الإشارة إلى أن هذا لا يعني أن الاقتصاد لم يكن قبل هذا التاريخ ضمن تفكير في الظواهر الاقتصادية و القيام بتحليل و تفسير المحيط الذي كان يمنح الحياة، و إنما عامل المؤلفات التي نجدها مبعثرة لا نجدها تتوفر على إطار مستقل.
لا يمكن فهم الاقتصاد بدون الرجوع إلى التاريخ الذي يقدم لنا دراية واسعة للأفكار و القضايا التي عالجت الاقتصاد ،لذلك فالرجوع إلى الأحداث التي مضت تسمح لنا بإعطاء مقارنة التطور بين الماضي و الحاضر ، و لا ننسى أيضا الجغرافيا التي أفرزت لنا ما يسمى بالجغرافيا الاقتصادية و التي سلطت الضوء على الموارد الطبيعية و الثروات في مختلف الأقاليم . و التي تفيد في التعرف على أبعاد التخصصات الدولية و العالمية. نستحضر أيضا التكنولوجيا التي لا يمكن الاستغناء عنها في أي موضوع في عصرنا الحالي، عصر العولمة و الرقمنة، فالتكنولوجيا تقدم لنا تقنية ضرورية لأي بحث اقتصادي. بالاضافة الى أهم علم و هي السياسة التي تجمعها علاقة وطيدة مع الاقتصاد و إن كانت السياسة تتجه صوب إدارة شؤون الحكم و ضمان حقوق الفرد، فان الجانب الاقتصادي يرتبط اشد الارتباط بهذه الحقوق.
اشتملت الدراسة الاقتصادية على التطور الفكري و النظم الاقتصادية إلى أن منهجية العلم وتبني التحليل انقسمت و اختلفت من وسط إلى آخر. و سأعرض عليكم موجزا من أفكار و مدارس التي من خلالها ما عرفنا مواكبة الأنماط الاقتصادية و لا التناقضات الحالية.
تزامن العديد من الحضارات على مر التاريخ الإنساني التي تركت آثارا، و لولاها لما فهمنا التطور الاقتصادي رغم أن معرفتها و طرق انجازها لم يتضح بعد بكونها تتميز بالقوة و الدقة و أيضا العبقرية ، و يمكن القول بأنها عايشت و حاولت تكون لديها مفاهيم خاصة .
فالصين القديمة ،كما تبين الدراسات التاريخية، قد عرفت ازدهارا على مستوى القطاع الفلاحي و تربية المواشي و تقنيات حرفية يدوية لإنتاج حاجيات و متطلبات فردية . فقد أبدع الصينيون و أتقنوا المزايا و الجودة و نذكر منها المنسوجات الحريرية و الورق. يذكر أن الصين و بكون اتساع رقعتها الجغرافية عرفت تجارة و تعاملات نقدية.
الفراعنة أو- مصر الفرعونية- بلد الزراعات و تقول بعض الروايات بانه كان هناك مؤرخ إغريقي يوناني عاش في القرن الخامس قبل الميلاد وقد اشتهر بالأوصاف التي كتبها لأماكن عدّة زارها حول العالم المعروف آنذاك بهيرودوت بأن مصر هبة النيل و كانت تنتج العديد من المحاصيل الفلاحية .
فمصر كانت مفترق طرق ملاحية و برية بين كل من آسيا و إفريقيا مما أدى إلى ازدهار التجارة فيها و كانت التجارة الداخلية لمصر تعتمد على أسلوب المقايضة عكس التجارة مع البلدان الأخرى و التي كانت تتم بواسطة النقود المعدنية .
و في إطار زمني آخركان حياة الفينيقيون حابلة بالأسفار و شغفهم بمهارات في التجارة و ذلك راجع الى الموقع الجغرافي و المساحة الإجمالية الضيقة، بالإضافة إلى أن الفينيقيين لم يعتمد اقتصادهم على منتجاتهم فحسب بل كانوا يقومون بعمليات تجارية بين الشعوب ويتبادلون بضائع من بلدان مختلفة ، و الذي جعل مورد التجارة من أهم مصادرهم. فالحرف الصناعية مثل الزجاجيات المزخرفة و النسيج الفاخر كانت مشهورا في المدن الفينيقية . و تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد الفينيقي كان يتميز بالحرية .
الحضارة اليونانية - التي عرفت تميزا اجتماعيا – كان نشاطها الاقتصادي يعتمد على التجارة بالدرجة الأولى نظرا لطبيعة البلاد جغرافيا و الموزعة بين عدد من الجزر، إلا أن أثينا كانت من أهم المدن التجارية نظرا لقوة أسطولها .
إنطلاقا من الحضارة اليونانية التي لم تقتصر قط على الأحداث الاقتصادية بل ابرزت اهمية واسعة في مجال الفكر الاقتصادي و تجسد هذه الأفكار عند أفلاطون و أرسطو .
يرى أفلاطون إلى أن نشأة الدولة تحتاج إلى الأفراد بعضهم إلى بعض و هذه حاجة قائمة و بدون شك على أساس اقتصادي بحث. و انطلاقا من هذه الفكرة يشير إلى أهمية تقسيم العمل بين الأفراد و قد أخذ بعين الاعتبار التفاوتات في المهارات و الميول. و نجد عند أرسطو انه ركز حول التسيير الرشيد لاقتصاديات المجتمع و نستخلص بعضا من القضايا المهمة التي تتميز بعمق التحليل.
فمثلا فيما يتعلق بالتبادل فقد أكد ارسطو النتيجة الطبيعية لظاهرة التخصص و تقسيم العلم . و قد فرق بين طبيعة النقود و بين رأس المال و لكنه قد أكد على أن عملية التبادل تكسب النقود صفة رأس المال لأنها تصلح كأداة للادخار و كما سماه بخزن القيم.
عبد الرحمان ابن خلدون و الذي نستخلص من قراءتنا لمقدمته "مقدمة ابن خلدون" في الشق الاقتصادي ما يلي :
-الحاجة الاقتصادية تنشأ بدافع الحاجة و بدافع التقدم الحضاري
–تقسيم العمل، و قد أشار ابن خلدون انطلاقا من بحثه في مقومات الحياة الاقتصادية أن أساس التقدم يرجع إلى عدم قدرة الفرد على إشباع جميع حاجاته بمفرده
-السكان و الذي عالجه من الجانب الايجابي باعتباره عنصرا منتجا وانه في الآن ذاته عنصر مستهلك
- فمجال الانتاج عند ابن خلدون يمثل في الزراعة و الصناعة و التجارة و أي محاولة لكسب الثروة خارج هذه القواعد يعتبر إنتاجا غير طبيعي. و قد تطرق ابن خلدون إلى مواضيع اخرى في مجال النقود و النمو الاقتصادي و السياسة الاقتصادية و الذي سنخصص له مقالا خاصا بكونه ساهم بشكل كبير على مستوى التنظير و التحليل.
و في اتجاه آخر ،شهدت البلاد الأوروبية في القرن السادس عشر تغيرات جذرية على مستوى الأفكار و السياسة و الواقع الاجتماعي و ذلك راجع الى مرحلة التمهيد للرأسمالية التي تمثلت بتطبيق السياسات المركنتيلية ، و تعتبر هذه الأخيرة من التيارات التي بزغت في البلاد الأوروبية و قد طبقت بشكل مختلف و من أبرزها المركنتيلية الاسبانية و الفرنسية و الانجليزية.
الأولى سعت الى تدعيم الدول بالعمل على زيادة ثرواتها من الذهب و الفضة، و أما الثانية رأت أن الصناعة أكثر انتظاما و ذات مردودية و تتمتع بقيمة عالية على مستوى التبادل الخارجي،و أما الثالثة عملت على تنمية الصادرات كوسيلة لتنمية الدولة .
المدرسة الطبيعية و قد استقت هذه المدرسة أفكارا تنادي بالحرية و العودة إلى القانون الطبيعي و ارتباطها بالاكتشافات العلمية التي حدثت في ذلك الوقت و التي عرضت مفاهيمها مثل الأرض و العمل و راس المال و طبقة المنتجين و طبقة الملاك.
إلى جانب ما ذكرناه نجد و بعد تطورات تاريخية نشأة نظام جديد سمي بالنظام الرأسمالي في بداية القرن الثامن عشر بكون المجتمعات الأوروبية عرفت مرحلة جديدة و أدت إلى تغيير أساليب الإنتاج و اتساع المصانع . نذكر الثورة الصناعية بكونها مهددتا أساسا لظهور مدارس أخرى- و يقصد بها تلك التغيرات الهامة التي أدت الى تغيير شامل في أساليب الإنتاج الصناعي و ذلك راجع إلى الاكتشافات و الاختراعات الجديدة.
و قد ظهرت بعدها المدرسة التقليدية و حاولت صياغة القوانين الاقتصادية و العلمية وأن تضع الأسس الفعلية لعلم الاقتصاد و من أهم روادها "آدم سميث" الذي تطرق إلى الحرية الاقتصادية و تقسيم العمل و نظرية القيمة .
و في القرن التاسع عشر ظهر الفكر الاشتراكي نتيجة التقدم الذي أحرزته المجتمعات الرأسمالية و لما كان له من آثار سلبية بحيث عرفت المرحلة تناقضات اجتماعية بين العمال و أرباب العمل ، و تنقسم الاشتراكية إلى مثالية و علمية.
الأولى هي فكر إصلاحي و ليست مدرسة ذات تتبنى تحليلي واحدا و تصور مشترك، عكس الثانية وهي المفكر الماركسي و التي تنتسب إلى كارل ماركس و فرديرك انجلز و التي اتبعت أسلوبا مختلفا بحيث تعمقت في التحليل على مستوى الأسباب القانونية التي تؤدي إلى انهيار الرأسمالية .
و حاليا نجد الفكر الليبرالي هو السائد و المهيمن في معظم بقاع العالم، بكونه متجدد و ذي قوة واسعة الأطراف ،خالف الاتجاهات التقليدية وساهم في ظهور" المدارس الحدية" و "النظرية الكنزية" فقد تناول التحليل الكنزي موضوع التوازن العام انطلاقا من نظرية الاستخدام بهدف القضاء على مشكل البطالة .
في هذا المقال المبسط لمجموعة من المحطات التاريخية و الأفكار التي تزامنت مع تحقيق رغبات على المستوى القصير و البعيد من الناحية الإنتاجية و الاستهلاكية، قد يعطي لنا صورة و لو مبسطة على أهمية فهم المنطلقات الأساسية رغم أن الدخول في غمار تحليلي لكل فترة من الفترات و التركيز على نواة التنظيم يحتاج عمل منظم و القراءة التحليلية هي بمثابة محرك أساسي لتنظير اقتصادي موسع يخدم الانسانية و لا شئ الا ذلك...

*محمد الهردومي

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.