Header Ads

“الفكر العلمي والثقافة الإسلامية” : د. بناصر البعزاتي

الفكر العلمي والثقافة الإسلامية” : د. بناصر البعزاتي

  

سنة 2015 صدر للدكتور بناصر البعزاتي* عن دار الأمان بالرباط  كتاب فكري- تاريخي تحت عنوان "الفكر العلمي و الثقافة الاسلامية" ، و يتناول الكتاب  الفكر العلمي و علاقته بالثقافة الاسلامية  حسب التطورات العلمية ،و سنقدم للقراء الكرام جزءا من مقدمة الكتاب.   



مقدمة
         منذ أن فكر الانسان عند بداية تاريخه، نسج شبكات من القيم لتنظيم علاقاته مع مكونات الوجود، الواقعي و المتخيل( وهما مندمجان بنسب معينة،حسبما يتكون في الذهن من قيم و أذواق و تصورات للكون). و رتب طقوسا متنوعة للتعبير عن معتقداته و الاحتفاء بها، و تنظيم شؤونها على ضوئها، كما أنتج معارف حول محيطيه العلمي و الاجتماعي ليستمر في التكيف معهما. و المعارف و الخبرات و المعتقدلت متداخلة تنتقل من مجموعة بشرية الى أخرى و من فترة الى أخرى منذ آلاف السنين؛فتعرف، بفعل الاتصال و التبادل ،انتشارا و اغتناءا و تنقيحا، و تخضع بذلك لتفاعلات و تحولات و تشعبات.

   و لا شك أن الآخذين بالأنسجة العقيدية ( العقدية) اللاحقة اقتبسوا من المعتقدات السابقة عليهم، عن طريق السفر و الترحال الجماعي و التجارة و الحرب و التحالف و التعاون. فتكيفت هذه الأنسجة مع الظروف المستجدة على مستوى النظر و الممارسة الطقوسية،حسب الشروط الجغرافية و البيئية التي تفرض أساليب مختلفة من ظروف العيش المتبادل و الاستقرار(أو عدم الاستقرار)

   و يحاول الآخذون بكل عقيدة اقناع الأفراد و الجماعات بصواب دعاواها،و يعملون على تعبئتهم بالوعد و الوعيد، من خلال نسج صور عن شخصيات مثالية و اتيان بحكم معينة و روايات عن الأقوام الغابرة تمزج فيها المكونات الواقعية و الخيالية ، و ترسيخها في الأذهان،من أجل اتخاذها دروسا و عبرا، دعوة الى التساكن أو ارغاما على تقبل القيم المفروضة. وقد يسمى نفس الأشخاص بأسماء مختلفة لدى الأقوام المتعددة حسب الخصوصيات الصوتية و التركيبية لكل "لغة". و يمكن أن نتصور أن تلك الحكم ثمرة خبرة جماعية متعددة الأصوات ،تراكمت عبر تلاحق الأجيال في مناطق عديدة و بمساهة ثقافات متنوعة... و على ضوء القناعات سنت قواعد سلوكية تحفظ درجة من الانسجام بين مكونات المجتمعات . هكذا تنسب كثير من الحكم و الأفعال الخيرة الى السابقين ،منهم هرمس و ابراهيم و آخرون،حكم تتفق في عموميات و تختلف في جزئيات.

و بحكم تنوع الأنسجة الثقافية و اختلاف مسلماتها، لا بد أن تعرف تدافعا بدرجات مختلفة من الحدة،بفعل الاحتكاك و التنافس و الرغبة في الانتشار لبعضعا على حساب البعض الآخر.و تعرف كل الأنسجة الثقافية مدا و جزرا و لا تستقر الحدود الجغرافية فيما بينها

   و قد انتشرت على أطراف شبه جزيرة العرب،قبل الاسلام، معتقدات دينية شتى، وصلت بعض مكوناتها الى مكة و المدينة،ابراهيمية و يهودية و زرادشتية و صابئية و مسيحية و مانوية و مزدكية و زروانية و ديصانية و حنفية و غيرها،و بتياراتها المتنوعة . فسادت بعض المعتقدات في أوساط فئات حرفية، حسب المصالح و الطموحات، بينما ظلت أخرى منحصرة في أوساط عائلات محدودة. لا شك أن هذه المعتقدات مترابطة فيما بينها،حيث اقتبس بعضعا من بعض تصورات و حكما و قصصا و طقوسا و عبادات. وأفرز كل واحد من هذه المعتقدات تفريعات و تأويلات بفعل الممارسة في بيئات متنوعة، لا يمكن  حصرها في اتجاه واحد،بحكم الترابط اللغوي و المعرفي و التاريخي فيما بينها. كما أن هذه المعتقدات ذات تصورات متنوعة في الألوهية و القدسية و العالم الأرضي و العلاقة بين الروح و البدن و مصير الانسان بعد الموت و مسألة البعث و مسألة الجزاء...

   في المناطق القريبة من شرق البحر الأبيض المتوسط انخرطت المذاهب العديدة، المتواجدة في بقاع متجاورة،في صراعات سياسية قصد ترسيخ مبادئها في الأذهان، بارتباط مع الرغبة في السيطرة على المجال الطبيعي من لدن معتنقيها،من أجل الاستقرار و السيادة على موارد العيش. و كانت بعض المناطق تعرف مجادلات فلسفية و دينية،خصوصا في الشام و العراق قبل ظهور الاسلام،حيث تفاعلت المذهب المتنوعة فيما بينها و اخترق بعضها الآخر.فمثلا،كانت المناظرات بين الصابئة و الحنفية حول طبيعة الروحيات و الجسميات. وكانت اللغات اليونانية و الفارسية و السورية(السريانية)- و هي أخت اللغة الآرامية- و القطبية و أكثر ضبطا و انتشارا من العربية نسبيا،و لم تفرض العربية نفسها كلغة فكر الا عند بداية الحكم العباسي...


  د.بناصر البعزاتي ابن بلدة صغيرة بالريف تسمى ميضار الأعلى -- اقليم دريوش،و هو أستاذ المنطق وتاريخ العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط-المغرب- . 

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.